الحرب الإسرائيلية-الإيرانية: خداع استراتيجي وتداعيات إقليمية

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحرب الإسرائيلية-الإيرانية: خداع استراتيجي وتداعيات إقليمية
الحرب الإسرائيلية-الإيرانية: خداع استراتيجي وتداعيات إقليمية

الحرب الإسرائيلية-الإيرانية: خداع استراتيجي وتداعيات إقليمية

مقدمة: مكالمة ترامب-نتنياهو والخداع الاستراتيجي

في 9 يونيو 2025، دارت مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وُصفت في التسريبات الإعلامية بأنها "متوترة للغاية". وفقًا للتسريبات التي نُشرت في وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، حذّر ترامب نتنياهو من التهور والإقدام على مهاجمة إيران، وطالبه بإتاحة الفرصة للمفاوضات بين واشنطن وطهران، مع الإشارة إلى ضرورة إنهاء الحرب في غزة. لكن هذه التسريبات، كما تبين لاحقًا، كانت جزءًا من عملية خداع استراتيجية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتضليل إيران.

في الواقع، كشفت مصادر موثوقة أن ترامب، خلال المكالمة، كان يستمع إلى خطة نتنياهو لشن هجوم عسكري على إيران خلال 72 ساعة. هذه الخطة استهدفت استغلال حالة الترقب الإيرانية، التي كانت تنتظر فشل جولة المفاوضات المقررة في عمان يوم 15 يونيو 2025. الخداع الاستراتيجي نجح، حيث أدت التسريبات المغلوطة إلى استرخاء الحذر الإيراني، مما مكّن إسرائيل من شن هجوم متعدد الجبهات في فجر 12 يونيو، استهدف قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين، بالإضافة إلى منشآت نووية حيوية.

الهجوم الإسرائيلي ورد الفعل الإيراني

استهدف الهجوم الإسرائيلي أماكن إقامة قادة عسكريين وعلماء إيرانيين، مستغلاً تواجدهم خارج الأماكن الآمنة. هذا الهجوم المباغت هز إيران بشدة، لكنها حاولت استعادة توازنها سريعًا. وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز"، أمر المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، بإطلاق 1000 صاروخ باليستي على إسرائيل، لكن الضربات الإسرائيلية على قواعد الصواريخ الإيرانية عرقلت هذا الرد، مما قلص عدد الصواريخ المطلقة إلى 100 فقط، استهدفت سبعة مواقع على الأقل في تل أبيب.

مع مرور الوقت، بدأت إيران تستعيد توازنها، ودخلت الحرب التي أطلقتها إسرائيل بهدف معلن هو تدمير البرنامج النووي الإيراني، ومنعها من أن تصبح ثاني قوة نووية في الشرق الأوسط. هذه الحرب أعادت إلى الأذهان تساؤلات حول موقع الدول العربية من هذا الصراع، وكيف وصلت المنطقة إلى هذه اللحظة الحرجة.

السؤال المركزي: أين موقع العرب من هذا الصراع؟

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هو موقع الدول العربية من هذه الحرب؟ وكيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ للإجابة على هذه الأسئلة، يجب أن نعود إلى المسارات التاريخية التي سلكتها الدول العربية، إيران، وإسرائيل، والتي أدت إلى هذا التصعيد.

التجربة الهندية-الباكستانية كنموذج

في 11 مايو 1998، أعلن رئيس الوزراء الهندي، آتال بيهاري فاجباي، إجراء ثلاث تجارب نووية ناجحة في منطقة بوكران. هذا الإعلان أثار ضجة عالمية، حيث كان متوقعًا أن باكستان، الجارة والمنافسة التقليدية للهند، سترد بإجراء تجارب نووية مماثلة. في ذلك الوقت، كانت كل من الهند وباكستان تمتلكان القدرة على تصنيع القنبلة النووية، لكنهما كانتا مترددتين في إجراء التجارب خوفًا من ردود الفعل الدولية.

تحت ضغط شعبي وعلمي داخلي، أجرت باكستان تجاربها النووية في 28 مايو 1998، متجاهلة الضغوط الأمريكية. هذا النجاح أثار فرحة عارمة في العالم العربي والإسلامي، خاصة في فلسطين، حيث رأى الكثيرون في القنبلة النووية الباكستانية رادعًا محتملاً للقدرات النووية الإسرائيلية.

الدروس العربية من التجربة النووية

في مقابلة نُشرت في صحيفة "الشعب" المصرية يوم 29 مايو 1998، سُئل الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق، عن إمكانية أن تكون باكستان نموذجًا يحتذي به العرب لمواجهة التفوق النووي الإسرائيلي. أجاب الشاذلي أن الدول العربية كان يجب أن تتحرر من الضغوط الأمريكية وتسعى لامتلاك قدرات نووية، رافضًا فكرة الخضوع للضغوط الأمريكية التي تحمي إسرائيل.

انتقد الشاذلي موافقة الدول العربية على تمديد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) في 1995 دون اشتراط انضمام إسرائيل إليها، معتبرًا ذلك خطأ استراتيجيًا كبيرًا. واقترح أن تستغل الدول العربية التجربة الهندية كذريعة للانسحاب من المعاهدة، لإعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة.

إيران وإسرائيل: مسارا الصراع

على عكس الدول العربية، اختارت إيران مسارًا مختلفًا. بعد ثورتها في 1979، بدأت إيران في السعي لتطوير برنامج نووي، مدفوعة بخبرتها المؤلمة خلال الحرب مع العراق (1980-1988). خلال تلك الحرب، عانت إيران من استخدام العراق للأسلحة الكيميائية، دون أن تجد دعمًا دوليًا يذكر. هذه التجربة علمت إيران درسين رئيسيين: أولاً، عدم السماح بأن تكون في موقف ضعف استراتيجي، وثانيًا، أن الاتفاقيات الدولية لا قيمة لها أمام مصالح القوى العظمى.

نتيجة لذلك، أطلقت إيران برنامجًا سريًا لتطوير القنبلة النووية في أواخر الثمانينيات، مستغلة انشغال العالم بالعراق بعد غزوه للكويت في 1990. في المقابل، ركزت إسرائيل على إيران كتهديد رئيسي بعد تحييد العراق في حرب الخليج الثانية (1991)، محذرة من تحول إيران إلى قوة نووية.

الدور العربي: تنازلات التسعينيات

في التسعينيات، تخلت الدول العربية عن السعي لتطوير برامج نووية أو صواريخ باليستية، تحت ضغوط أمريكية وإسرائيلية، وفي إطار مفاوضات السلام مع إسرائيل. في 1994، قادت مصر مبادرة لربط تمديد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بانضمام إسرائيل إليها، لكن هذه المبادرة فشلت بسبب الضغوط الأمريكية وانقسام المواقف العربية. في 1995، تم تمديد المعاهدة إلى أجل غير مسمى دون التزام إسرائيل، مما عزز هيمنتها النووية في المنطقة.

الوضع الحالي ودروس المستقبل

اليوم، تجد الدول العربية نفسها في موقف ضعيف أمام الصراع الإسرائيلي-الإيراني، نتيجة تنازلات التسعينيات وغياب استراتيجية موحدة. إسرائيل، بفضل تفوقها النووي، تحافظ على هيمنتها العسكرية، بينما تواصل إيران السعي لتحقيق توازن استراتيجي، حتى لو كان ذلك على حساب مواجهات عسكرية مكلفة.

السؤال المطروح الآن هو: كيف يمكن للدول العربية استعادة مكانتها في هذا الصراع؟ الدروس التاريخية تشير إلى ضرورة بناء قدرات استراتيجية مستقلة، والتحرر من الضغوط الخارجية، مع توحيد المواقف العربية لمواجهة التحديات المستقبلية.

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Follow Us